منتدى نور الحياة & مملكة القلوب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الآدب والشعر
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 لمـاذا ارتجـف القـط؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جهاد محمد
الإدارة العامــة
جهاد محمد


ذكر عدد الرسائل : 1447
العمر : 37
البلد : اليمن
المستوى التعليمي : جامعي
نفاعل الأعضاء :
لمـاذا ارتجـف القـط؟ Left_bar_bleue98 / 10098 / 100لمـاذا ارتجـف القـط؟ Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/11/2007

لمـاذا ارتجـف القـط؟ Empty
مُساهمةموضوع: لمـاذا ارتجـف القـط؟   لمـاذا ارتجـف القـط؟ I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 23, 2008 7:29 am

لمـاذا ارتجـف القـط؟
رواية بقلم: د.أحمد خالد توفيق

إن لغرائز الحيوان هيبة واحتراماً في نفوسنا نحن البشر الذين أوهنت الحضارة حواسنا
الحيوان يرى أفضل منا ويشم أفضل منا ويسمع أفضل منا.. أما الأهم فهو أن الحيوان يملك حاسة الخطر.. الحاسة التي لا نملك منها سوى النذر اليسير أو لا نملكها على الأطلاق
*******
كنت طالباً قروياً بسيطاً أعيش في القاهرة, المدينة الصاخبة القاسية التي لا ترحم..، كانت الحرب قد انتهت منذ أعوام واستسلمت ألمانيا وكانت هناك حركات ثورية تغلي واضطربات وحركات كبار..، لكني كنت بعيداً عن كل هذا في قوقعتي الخاصة.. كان رفاقي في الجامعة يثرثرون ويرافقون الفتيات ويتأنقون.. لكني كنت منزوياً في حيائي الريفي الطبيعي والأمل الخافت الذي لا ينفك يراودني: ستفخرون يوماً أنكم عرفتموني
أي ضير في أن تسخر الفتيات من حذائي؟.. لقد سخرت فتاة من بنيامين فرانكلين يوماً ما وأطلقت عليه الكائن العجيب, ثم تلبث أن قبلت بكل فخار أن تكون زوجته حين صار المصلح والعالم الأمريكي الأشهر
وأي ضير في أن يتهكم الشباب على ثيابي؟.. ان بيتهوفن كان كريه الرائحة قليل الاستحمام.. والكسندر دوماس كان قبيحاً كقرد.. وحتى اينشتاين اتهمه مدرسوه بالتخلف العقلي
كنت واثقاً أنني أصنع نفسي.. كنت أجد بين صفحات الكتب ما ينسيني عذاب اللحظة.. لكن شعوراً واحد كان يمزق فؤادي
.. الوحدة
الوحدة المريرة التي لن ولم أتحملها بأي حال.. كنت أعيش في غرفة حقيرة في أحد أحياء القاهرة الشعبية.. وكانت بعض أسر العمال تسكن جواري, فلم يمنعني هذا من ادراك أية متعة يعيشها هؤلاء البؤساء بين أسرهم
صوت الضحكات.. لعب الأطفال.. الشجار.. عبارات السباب.. كل هذا كان يمزقني تمزيقاً, وحتى قشور البطيخ الملقاة في الزقاق كانت تؤلمني.. فهي كميات أكبر بكثير مما يستطيع شخص واحد أن يلتهمه

*******
كنت أحيا هذا الجحيم.. وبدأت أفهم لماذا يتزوج البشر.. انه الضمان الوحيد كي تجد انسانا ملكك لا يتركك وحيداً أبداً
كنت غارقاً في لجة الكآبة حين قابلت "جمعة"..! كان صغيراً بحجم قبضة اليد.. قذراً كمصرف للمجاري.. شرساً كالنمر.. جائع كسمكة وليدة.. تعساً كالشيطان.. وحيداً مثلي
هنالك أمام بابي وجدته.. مجرد قط وليد منبوذ يرتجف برداً وجوعاً ويموء بتلك الطريقة الصامتة الواهنة التي تجيدها القطط وتسلب بها قلوبنا
حملته الى الحجرة.. ووضعته في سلة الخبز الفارغة التي أرسلتها لي الحاجة من قريتي، وأحضرت له بعض الفاصوليا التي كنت قد طهوتها لنفسي فأعرض عنها في اشمئزاز مبدياً رأياً لا بأس به في طهوي
فتحت له علبة من السمك المحفوظ وشرعت أضع أمامه قطعاً منها, فذاقها بلسانه أولاً.. ثم بدأ يأكل
حين انتهى راح يلعق أسنانه بلسانه, فحملته في قبضتي الى صنبور الماء وغسلت جسده وسط محاولات افلاته المضحكة وموائه الرفيع
من حسن الحظ أننا كنا في يوليو لأن غسيل القطط الصغيرة تحت الصنبور خطأ قاتل!. ثم جففته وشرعت أرمق شعره الثائر المحتشد في أشواك.. وكان هذا هو الحب الأول في حياتي
أسميته جمعة لأنني كنت مثل روبنسون كروز وحيداً في جزيرة قصية الى أن وجد صحبة, وهذه الصحبة كانت بدائياً جاءه في يوم جمعة, فأسماه في بنفس الاسم
*******
لقد غيّر جمعة حياتي تماماً
صار لي هدفاً أحيا من أجله وأعود لداري من أجله.. كان يرقد على قدمي حتى أنام.. ويلعق وجهي في شعاع الفجر الأول.. ويرتمي على ظهره معايناً خفي.., ثم يتربع على مكتبي الحقير أمامي اذا أدرس مُصدراً ذلك الهرير الرائع المنتظم
الواقع أنني كنت أملك يقيناً لا يتزعزع أن هذا القط هو أخي.. فقط هو مصاب بعيب خلقي بسيط يجعله يمشي على أربع ويأكل السمك ويموء, ولابد لي أن أقبله كما هو لأني أحبه
ظلت الأيام تدور بنا.. وفي الأوقات القليلة التي كنت أفارقه فيها الى قريتي كنت أعطي مفتاح الحجرة لأمال ابنة الجيران كي تطعمه
كان هذا في الفترة السابقة للقائي بـ داغر
*******
اسمه عجيب.. أعلم ذلك.. لكن وجهه أكثر غرابة.. فهو شاحب اللون رمادي العينين تتطاير خصلات شعره الأبيض في الهواء.. ضخم.. مهيب.. يقولون أنه من أصل تركي يبرز مظهره غير المألوف واسمه العجيب.. وكان من أوائل الشباب الرفيع الذي تخلي عن الطربوش.. وبرغم أن كثيرين قد حذوا حذوه في تلك الأيام في أواخر الأربعينات الا أنه كان أولهم
قابلته في الجامعة يدرس الفلسفة.. كان على النقيض مني في أي شئ.. ولن أشرح كيف.. لكنه كان شخصية مغناطيسية يلعب ذات الدور التي تلعبه البلورة الصغيرة حين تعلقها في سائل مُشبع.., انه مركز تبلور.. وآراؤه وكلماته تغدو هي الرأي العام بعد أيام من قولها
من اللحظة الأولى أدركت أنه لن يكون صديقي.. لكن داغر أصر على العكس.. وكان له ما أراد
*******
كنتُ جالساً في المكتبة أطالع بعض كتب علم الأجناس حين وجدت داغر يتخذ مقعده جواري.., العطر الغريب الذي يذكرك بشئ لا تدري كنهه وأنامله الدقيقة كأنامل أفضل عازفي البيانو
قال لي وهو يقلب صفحات كتاب: اننا زميلان.. هل تعرف ذلك؟.. اذن لماذا لا نتعرف؟
محمد شحاته.. من احدى قرى القليوبية -
ابتسم في شئ من الرقة الممزوجة بالتهكم.. وقال: اسمي داغر ..داغر السفير.. وعلى كل حال أنا لم أطلب معرفة محافظتك
هي العادة لا أكثر -
وبدأنا نتحدث.. كان مسلياً وواسع العلم لكني لم أستطع أن أحبه.. نفور لا سبب له ينتابني تجاهه
ذلك النفور الذي فسرته بحقدي المحتوم على طالب ثانوي مثله يملك كل شئ.. لكنه كان لزجاً كالذبابة.., كانت نظراته محملقة ثابتة الى درجة مزعجة تسلبك حريتك تماماً
الخلاصة أنه كسب أرضاً بعد هذه المحادثة وصار من حقه أن يجذب مقعداً الى جواري في أي مكان أجلس فيه دون أن أتمكن من الأعتراض
هل هو اجتماعي الى هذا الحد الذي يحرص معه على ألا يفلت طالب من دائرته؟.. أم هو يتسلي بهذا النمط الساذج الغريب الذي كنته؟
ان لديه أصدقاء كثيرين ويمكنه دائماً أن يشغل وقت فراغه.. بل انه.. صدق أو لا تصدق.. طلب زيارة داري
كدت أجن.. وطفقت أولول وأصرخ وأؤكد له أن داري ليست داراً بل هي أقرب الى حظيرة أو سوق أو مخزن الكرار.. وأنه حتماً لن يحبها رؤيتها فضلاً عن دخولها.. فلا داعي لهذا التودد
الا أنه ابتسم في لزوجة.. وأكد لي: انني على غير ما تحسب.. وجميع الأماكن عندي سواء
قلت: مادمت مصراً..، على الأقل سأجد لك كوباً مكسوراً هنا أو هناك يصلح لتشرب فيه شاياً
كما تريد -
*******

في مساء الأربعاء أولجتُ مفتاح الباب في القفل.. ودخلت الغرفة ومعي هذا الأخ المتودد.. وشرعت أزيح الزجاجات المكسورة والخرق وعلب السمك المحفوظ الفارغة التي تسد طريقه الى المقعد الخشبي الوحيد
قال: ليست غرفتك بشعة الى هذا الحد.. تبدو لي كغرف الرسامين التأثيريين في مونبارناس.. لم أفهم هذه العبارة لكنها أكدت لي أنه قد سافر الى هذه الـ.. الـ.. مومبراس مراراً ولابد أنه مكان رائع فيما عدا غرف الرسامين التأثييرين القذرة التي تملؤه !, ماعلينا.. سأعرّفه بأخي السنوري جمعة الذي سيعطي لحديثنا أرضاً أوسع.. خاصة وكل الناس مولعون بالحديث عن الحيوانات والأطفال
جمعة ..!.. أين أنت؟.. أيها الهر السخيف -
هل لديك هرّ؟ -
سألني وقد تبدل تعبير الإرتياح المرتسم على وجهه.. لا أكذب اذا قلت أنه قد بدا قلقاً و متوتراً.. سألته في مداعبة واضحة: يبدو أنك لا تحب القطط؟
ولا الحيوانات عموماً -
ولكن صبراً حتى تري جمعة.. وركعت تحت الفراش باحثاً عن ذلك القط العنيد.. كان هناك في الركن المظلم متكوراً حول نفسه وقد انتفشت شعيراته والتمعت عيناه في الضوء كفيروزتين, وكان يصدر زئيراً متوتراً غير عادي.. فلما مددت يدي أصدر فحيح كالأفعي ان هذا القط خجول أكثر مما توقعت.. امتدت يد داغر الى ظهري حيث انحنيت راكعاً تحت الفراش وسمعت صوته الرخيم العميق يغمغم: دعك منه الآن
فليكن -
*******
عدت أزحف على ركبتي خارجاً, ووقفت على قدمي أمام الفتي الذي مد يده يزيل شيئاً ما من على ذقني ويبتسم: وجهك غارق في الغبار وخيوط العنكبوت.. لقد أنذرتك
وعلى السقف تحرك صديقي البرص مغادراً داره مابين ألواح الخشب التي تدعم الحجرة..، وهو حدث غير مألوف في هذه الآونة من العام.. لكنه حدث وأرجو أن لا يلاحظ ضيفي ذلك.. دعوته للجلوس فجلس على مكتبي المتهالك الذي أدرس عليه كيف أكون أعظم انسان في العالم, وبدأ يتحسس كتبي بيد فضولية
تدرس كثيراً -
ليس لدي عمل آخر -
قراءاتك متنوعة -
انه ذلك الظمأ المقدس للمعرفة -
وشرعت أعد له كوباً من الشاي مكتشفاً.. في كل ثانية أيّة حياة حقيرة وأية هاوية أنا مترذ فيها, وهو الاكتشاف الذي يعاودني كلما زارني أحدهم
لا يوجد براد نظيف.. لا ملعقة غير صدئة.. لا كوباً غير مشروخ.. تباً لها من حياة ..! على أنه لم يبدو مهتماً بكل هذا.. بل أنه أخذ الكوب بتؤده وبنوع من الإمتنان.. ثم أخرج علبة تبغ جلدية أنيقة وناولني لفافة رفضتها شاكراً: لا أدخن.. شكراً
أشعل لفافته في تؤده وبحث بعينيه عن مطفأة لكني أشرت له ألا مانع من إلقاء الرماد على الأرضية
بدأ يدخن لحظات.. ثم قال لي: أنت لا تدخن.. وتقضي الوقت في الدراسة.. انك نموذج الطالب المجد الذي كنا نرى صورته في مكتب المطالعة الأبتدائية
سرني هذا المديح لكني فطنت أنه كان يتهكم.. اذا أردف: وطبعاً تتوقع أن تبذر بذور مجدك وأن هذه الغرفة هي الشرنقة التي ستحلق منها فراشة آمالك
لا أدري.. لكنني أحاول -
قال لفظة فرنسية لم أفهم معناها.. لكنها.. بالتأكيد.. تحمل معني الهباء أو كما نقول كان غيرك أشطر
ثم أنه رشف جرعة شاي وقال: أنت غارق في الحلقة الدامية الشهيرة.. من لا يستحق يجد ومن يستحق لا يجد.. ومن الحمق أن تظن أن هذه الحلقة كانت تنتظرك دون ملايين البشر كي تحطمها
آه ها نحن أولاء قد بدأنا نغمة التعالي.. هو ذا ذلك المدلل ابن المدينة يحاول بمقص أن يزيل جناحي
قلت في فتور: لكني أحاول.. أليس كذلك؟.. فقرر أن يتبسط قليلاً.. وبدأ يثرثر عن العقاد وطه حسين ومعارك الأحزاب.. إلخ
ليت كلب الجيران يكف عن النباح لحظة.. ماذا دهاه هذا المخبول؟
مضت لحظات ونباح الكلب مستمر ويتعالى.. مع صوت سباب من جاري أبي أمال يصف كلبه بأقذع النعوت
توتر داغر بعض الشئ وبدا أنه غير قادر على الاستمرار.. ثم كور بقايا لفافة تبغه ورمي بها أرضاً.. وتنهد: سنواصل حديثا في وقت آخر.. وتهيأ للانصراف مما سرني كثيراً وتظاهرت بالعكس
وعلى باب الحجرة استدار وتشمم الهواء الراكد.. وهتف: تذكر.. أنت تستحق ما هو أفضل
*******
[size=16]حين عدت لغرفتي شعرت بروحي تضيق حتى لتتصاعد الى السماء.. لقد نجح هذا الوغد في أن افساد التعوّد الذي كنت أستعين به على حياتي
ورغم أنني ريفي فإن دارنا كانت أجمل وأنظف من هذه الغرفة مئات المرات
لا تظلموني يارفاق.. ربما أنا ضعيف الشخصية أو طيب القلب لكن ليس الى هذا الحد.. ومهما كان أحدكم يحب زوجته فهو خليق بأن يمقتها اذا ظل هناك من يقبّحها في عينه ليلاً نهاراً
ان الرضا كوب من الحليب تكفي ذبابة انتقاد واحدة تكفي كي تعكره الى الأبد
أما المشكلة فكانت مع جمعة
ان هذا القط الأبله كان متوتراً متحفزاً بشكل غير عادي, بل أنه ظل يرتجف طيلة الساعتين التاليتين وعزف عن الأكل حتى


يليه..... ــــــ ..
يتبع....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جهاد محمد
الإدارة العامــة
جهاد محمد


ذكر عدد الرسائل : 1447
العمر : 37
البلد : اليمن
المستوى التعليمي : جامعي
نفاعل الأعضاء :
لمـاذا ارتجـف القـط؟ Left_bar_bleue98 / 10098 / 100لمـاذا ارتجـف القـط؟ Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/11/2007

لمـاذا ارتجـف القـط؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لمـاذا ارتجـف القـط؟   لمـاذا ارتجـف القـط؟ I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 23, 2008 7:30 am


كدت أموت رعباً عليه
[/size]*******
كانت العاشرة مساءً حين قرعت جارتي آمال الباب
ابتسمتُ في رقة معتقداً أنها جاءت بعذر مختلق لمجرد أن تتبادل كلمتين أو ثلاث معي قبل أن تأوي لفراشها.. صحيح أن هذه الفتاة لم تبد مطلقاً أي أهمية بي لكني كنت أضع بنيامين فرانكلين نصب عيني
لكنها كانت جادة.. كانت متوترة حقيقة لا تمثيلاً.. وقالت وهي تبتعد عن الباب في حياء: لا مؤاخذة ياسي محمد على مضايقتك.. لكني كانت عائدة للبيت حين رأيت هذا
رأيت ماذا يا أمال؟ -
أشارت الى الأرض.. الى عتبة غرفتي الخشبية وتساءلت: من أين يأتي كل هذا النمل؟.. ولماذا يهرب من غرفتك أنت بالذات؟
*******
حين انصرفتْ أمال بدأت أدرك أن هناك شيئاً ما ليس على ما يرام
بالواقع لم يكن أي شئ على مايرام
ركعت على ركبتي أتتبع سرب النمل الطويل الكثيف كأنه رُسم بفرشاة سوداء على خشب الأرضية.. هاهو ذا
انه يتعرج حول نفسه متجهاً الى أحد شقوق الحائط الكثيرة.. الموضع الذي يفر منه كل النمل
مامعنى هذا؟.. هجرة نمل في هذا الوقت من العام؟ وقط متوتر كأنما أوصلت ذيله بمقابس الكهرباء.. وبرص يعدل عن رأيه في الوقت الملائم لبدأ البيات الشتوي.. وكلب يعوي كالمسعور دون سبب واضح
كل هذا متزامن مع ذلك الشاب غريب الأطوار والمظهر.. الذي كان عندي من لحظات
....ان هذا يعني
وانتصب شعر رأسي كان عندي شعر رأس في تلك الآونة واستحال جلدي كجلد الأوزة
لقد فهمتْ الحيوانات والحشرات مالم أفهمه أنا
*******

مضيت أجول الغرفة في قلق.. كان جمعة قد هدأ قليلاً لكنه متكور كالجورب في ركن الفراش ويرمقني في توجس
كُف عن الهلع أيها القط السخيف.. أرجوك.. لم تعد أعصابي تتحمل كل هذا
ولكن ما سر هذا الاسم الغريب الذي يحمله؟.. انني واسع الثقافة.. كما تعلمون جميعاً.. وكان من السهل أن أقول لنفسي: داغر معناها لص وهي كلمة عربية فصحة لكننا نسينا معناها.. أما السفير فهو اسم ملئ بالدلالات.. خاصة اذا ما استبعدنا معناه القريب الدراج
أنا أعرف أن لوسيفر هو الاسم اللاتيني للشيطان.. وقد كان في الاصل يعني الزهرة حين تغدو كوكب الصباح ثم اقترن بالشيطان في الديانة المسيحية لأنه كناية عن الخيلاء التي تقود صاحبها للهلاك.. فهل ثمة دلالة معينة لتشابه حروف لوسيفر والسفير؟
إن الأدب العالمي هو مملكتي الخاصة.. وقصصاً مثل فاوست وأحزان الشيطان لا تغيب عن مخيلتي
لماذا لا نعرف شيئاً عن داغر ولا أسرته ولا عنوان داره؟ لماذا يزور الجميع لكن أحداً لا يزوره؟
الوغد!.. لكم كان ناعماً مهذباً مؤذياً كالأفعى
*******
كانت الساعة تدنو من منتصف الليل وكان النمل قد أنهي هجرته غير المفهومة.. والقط في موضعه السابق.., حين سمعت دقاً متواصلاً على الباب.. فوثب قلبي من فمي.. اتجهت للباب في تؤدة وألصقت وجهي به.. وتساءلت: من هناك؟
كان هذا هو صوتي المرتجف.. المتوجس.. الرفيع كصوت سحلية مشنوقة.. وهنا سمعت الصوت الذي سيظل يفعم كوابيسي: إنه أنا.. داغر.. افتح يا محمد
دا.. دا.. داغر ؟.. مـ.. ماذا تريد؟ -
قال في سخرية: ليس لعب الشطرنج بالتأكيد.. نسيت مفاتيحي عندك
لحظة -
ووثبتُ كالملسوع الى حيث كان جالساً.. فوجدت المفاتيح التي تحدث عنها.. غريب هذا
أنا واثق من أنه لم توجد مفاتيح طيلة المدة التي تلت رحيله.. هذه المفاتيح برزت فجأة
حملتها بين اصبعين كالثعبان, واتجهت للباب
هل أفتحه؟
لا أدري لكني حتماً لن أتمكن من تمريرها أسفله.. اذن لا مناص من فتح الباب.. مددت يدي للقفل وأزحته في توتر.. ودخل داغر الغرفة
كان وجهه الوسيم الصارم يتلألأ بين الظلال وهو يدلف للحجرة وعيناه تلمعان ببريق غير مريح.. بريق لم
مياااااو...... -
أنشب جمعة مخالبه في الملاءة وقوس ظهره ثم وثب بقفزة واحدة الى ما تحت الفراش.. فقال داغر وهو يهز رأسه: ان هذا القط غريب الأطوار
والتقط المفاتيح ودسها في جيبه.. وأردف: لماذا تحتفظ بهذا الوحش الشرس في دارك؟
كنت أتعوّذ و أردد الأدعية كي يتركني هذا الشئ سالماً هذه الليلة.. و إلى الوراء ترجعت ثلاث خطوات
سألني: ماذا بك يا محمد؟.. لا تبدو طبيعياً.. هل حدث مايضايقك؟
كان يدنو مني في تؤدة وعلى شفتيه ابتسامة معسولة
ابتعد عني -
لماذا ؟.. لماذا لا أدنو منك؟ -
كنت أتراجع للخلف محاذراً أن أصطدم بالمكتب
ابتعد أيها الشيطان -
ضحك والتمعت عيناه وتبدت أسنانه البيضاء النضيدة: أنا شيطان؟.. انك ذكي ياصديقي
أنت -
وهنا حدث الشئ.. الشئ الذي لم أتخيله في أفظع كوابيسي

*******
شممت رائحة غبار.. ثم هوى عرق خشبي عملاق من السقف.. وتطاير الغبار أكثر
ثم بدأ الجحيم
أخشاب تتهاوى.. الأرض تميد تحت قدمي.. قرقعة.. صخب.. صوت تهشُم.., داغر يحاول أن يقول شيئاً ثم يسقط أرضاً.. عواء القط.. عواء الكلب.. رائحة عطن.. صراخ نسوة.. ثم لا شئ
*******
في مستشفى القصر العيني صحوت لأجد نفسي ملفوفاً في الضمادات وعشرات الأصوات تتردد أن الحمد لله.. وفهمت ما هنالك
لقد انهار طابقان في المنزل المتداعي الذي كنت أسكن فيه ولم يصب.. بالطبع و كما هي العادة.. سواي وداغر
داغر المنحوس المسكين الذي عاد ليأخذ مفاتيحه دقيقة واحدة.. دقيقة واحدة لكنها كانت كافية لينهار المنزل فوق رأسه ومن حسن حظه انه لم يقض نحبه
داغر سليل الأرستقراطية الذي لعبت برأسه السياسة فانضم الى إحدي المنظمات اليسارية المتطرفة.. وتنصلت منه أسرته.. تاركة اياه يمارس دوراً اختاره لنفسه في توعية البؤساء من أمثالى بقسوة وضعهم الطبقي المتدني.. توطئة لضمهم الى المنظمة
داغر الذي تلقي جزاء حماسه المبالغ فيه في صورة كسر في الفخذ والذراع و ارتجاج في المخ لا بأس به
الواقع انني.. في تلك اللحظة.. لم أعد أمقت ذلك المعتوه الى ذلك الحد
طيلة حياتي كنت أتعاطف مع الفريق الخاسر.. حاولت أن أكسب صداقته من جديد.. لكنه كان قد تعلم دراساً لا بأس به, لهذا أفلت مني وعاد للدراسة من جديد.. وان كان قد فقد مغناطيسيته أو لم يعد يعبأ بها.., ثم أن البوليس السياسي استضافه بعض الوقت مما شفاه نهائياً من التودد
و في المستشفى زارتني أمال وأمها..وهما سليمتين تماماً, وكانت الأم قد أعدت لي بعض الحمام والأرز المعمر كأفضل هدية تعرفها لمريض ولم تكن مخطئة تماما في هذا.. أخبرتني في تفاؤل أن البيت أمكن اعادة ترميمه.. فلم يعودوا بلا مأوي.. وأقسمتْ أغلظ الايمان أن آكل أمامها في فراشي.. فلم أكذب خبراً الا أنني تجنبت سؤالها عن قطي وعن العزيز جمعة الذي كان شريك حياتي لفترة وجيزة.. ولي بعيداً ككل ما هو رائع
قطك بخير ياسي محمد -
قالتها أمال في نعومة.. مما جعل وجهي يتهلل طرباً غير مصدق لما تقول
أردفت مبتسمة: ان الحيوانات تشعر بالخطر قبلنا.. لهذا نجا بعمره في تلك الليلة
شرد ذهني وأنا ألوك الأرز الى أحداث الأمسية.. هروب النمل و توتر القط وذعر الكلب, كانت تشم الخطر و تتحفز ضده.. لكني.. كما هو واضح أسأت فهم رسالتها وحسبت زائري المقتحم نوعاً من الـ
ان مشاكلي لم تنته.. بل.. بالأحري بدأت
لكني أملك هدفا.. و أعرف كيف أحقق هذا الهدف, لا أذكر كم من العظماء التاريخ قد انهارت غرفهم فوق رؤوسهم.. لكني واثق من أنهم كثيرون.., وعما قريب سيفخر كل معارفي أنهم عرفوني.. وأنهم أحضروا لي الأرز حين كنت مريضاً جائعاً محطماً
سيكون الغد حافلاً.., وفيه كل شئ ممكن
أما اليوم.. فلأنم ملء جفوني
*******
-تمــــــــت-


منقــــول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
لمـاذا ارتجـف القـط؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور الحياة & مملكة القلوب :: .. : المنتديات الأدبيــة : .. :: القصص والروايــات :: ضفاف-
انتقل الى: