وقد سجل تاريخ هذا التجديد في أبيات من الشعر نقشت على لوحة تأسيسية بأعلى المدخل الغربي ونصها:
ذا الجامع تعميره جامع للفتح والنصر ولذاك النجيب
عبدالحميد الندب سلطاننا سيف رسول الله ذاك الحبيب
لذا أتى تاريخ إتمامه نصر من الله وفتح قريب
ووفقاً لحساب الجمل الذي يعطي لكل حرف من حروف العربية قيمة عددية (نظام أبجد هوز) فإن حروف الشطر الثاني من البيت الأخير يصل مجموعها إلى الرقم 1298 وهو تاريخ هذا التجديد.
[تحرير] مدينة صنعاء القديمة
إستطلاعات
صنعاء... وإن طال السفر الخميس, 04-أكتوبر-2007 د. أحمد الصاوي - هي مقصد العرب على مر العصور، لابد منها وإن طال السفر، صنعاء قاعدة اليمن الأولى على مر العصور وأهم مدنها وأشهرها وأكثرها أيضاً استقطاباً للزوار والرحالة منذ القدم.
صنعاء مدينة قديمة، وحسبما يذكر المؤرخون، كان اسمها أولاً «أزال» فلما نزل بها الأحباش ونظروا إلى مبانيها المشيدة بالحجارة قالوا هذه صنعة ومعناها بلسانهم حصينة فسميت لذلك باسم «صنعا» أو صنعاء كما تعرف اليوم.
وبعيداً عن أقوال المؤرخين والجغرافيين العرب فإن الاسم الذي اتخذته المدينة بعد اسمها الأقدم هو عربي المبنى والمعنى وإن كان ذلك لا يحول دون تصديق رواياتهم ذلك أن لغة أهل الحبشة هي أيضاً واحدة من لهجات اليمن القديمة. فالمهاجرون من اليمن كان لهم النصيب الأوفى من بناء حضارة الحبشة القديمة.
ومهما يكن من أمر فقد استحقت صنعاء أن توصف بالحصانة وحسن البناء، إذ شيدت منازلها باستخدام الأحجار التي كانت تقطع من جبل «نقم» خاصة النوع الأبيض، كما استخدم في بنائها أيضاً حجر الحبش الأسود من جبل الجراف فضلاً عن استخدام الأحجار البركانية. وزيادة على ذلك كانت تستخدم مواد أخرى في البناء كالطابوق وهو الآجر أو الطوب الأحمر المحروق والزابو وهو الطوب اللبن «النيئ» وكانت قوالبه كبيرة الحجم واستعمل الخشب بين مداميك البناء وفي السقوف والأرضيات.
وقد تمتعت صنعاء بموقعها المحوري في تاريخ اليمن مذ كان سعيداً، بفضل العبقرية البشرية التي دفعت أهل اليمن القدماء إلى اختيار موقعها.
فالمدينة كانت تقع على نهر صغير يأتي إليها من جبل في شمالها فيمر بها نازلاً إلى مدينة ذمار ويصب أخيراً في البحر، ونظراً لارتفاعها الكبير عن سطح البحر فإن مناخها يتميز بالاعتدال طوال أيام السنة وهي حسب الجغرافيين العرب «لا تمطر إلا في حزيران وفي تموز وآب وبعض أيلول ولا تمطر إلا بعد الزوال في أغلب الأمر يلقى الرجل الرجل نصف النهار والسماء صافية ليس فيها طخرية فيقول: عجل قبل أن تصب السماء لأنهم علموا أنه لابد من المطر في ذلك الوقت».
ولذا ظلت المدينة عبر تاريخها كثيرة الخيرات متصلة العمارات معتدلة الهواء طيبة الثري.
هذا الاختيار العبقري لموقع صنعاء دفع البعض إلى الترويج لروايات أسطورية حول نشأتها ومنها أن مشيدها هو سام بن نوح «لأنه سار يطلب حُر البلاد (أعلاها) وموضع اعتدال الحر والبرد فلم يجده إلا في جزيرة العرب. فنظر الحجاز فوجده مفرط الحر لمقام الشمس شهرين في مثل ثلاث درجات وكسر على سمته فسار في الإقليم الأول حتى صار إلى حقل صنعاء فوجده أطيب باعتداله وصحة هوائه ورآه أرجح إلى البرد منه إلى الحر ورأى ميله وسطاً لا مثل ميل الحمل المتقارب تسير الشمس فيه طولاً درجة وعرضاً قريباً من نصفه،والا مثل ميل الجوزاء الذي هو تسع طوله ورأس الشمس تسامته في السنة كرتين في ثماني درجات من الثور وثلاث وعشرين من الأسد فإذا كانت الشمس فيها ترى الشمس في أيار/مايو صنعاء انتصاف النهار».
وقد اشتهرت صنعاء القديمة بمنازلها المتعددة الطبقات التي قد يصل عددها إلى سبع تبعاً للحالة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية لصاحب المنزل.
ويستخدم الطابق الأول من منازل المدينة عادة كمخزن يتم فيه الاحتفاظ بالمواد الغذائية وسواها مما يحتاج إليه في الحياة المعيشية، بينما تخصص الطوابق الأخرى للسكن وفق نظام معين. ومن أهم العناصر في البيت اليمني ما يعرف باسم المفرج وهو عبارة عن قاعة فسيحة أشبه بالمنظرة يوجد في قمة المنزل من أعلى وفيه فتحات للتهوية والإضاءة ويستخدم المفرج كقاعة استقبال للزوار.
وتتشابه البيوت اليمنية ليس فقط في هيئاتها العامة وارتفاعها بل أيضاً في كسوتها من الخارج بمادة «النورة» وهي مادة جيرية بيضاء يتم حرقها لوقت أطول من ذلك الذي يستغرقه حرق الجص، بينما يستخدم الجص في تغشية الجدران الداخلية للمنازل ويتم الاعتماد على مادة القضاض الشبيهة بالأسمنت في صناعة اللحامات بين مداميك البناء.
والحقيقة أن المظهر المتواضع لمنازل صنعاء لا ينبئ بحال من الأحوال عن الثراء الزخرفي لداخلها، ذلك أن هذه المنازل كانت تزين من الداخل بأشرطة من الجص تزدان بالكتابات والزخارف المختلفة ويكثر بها وجود الشمسيات والقمريات وهي نوافذ مستديرة من الجص المعشق بالزجاج الملون، فضلاً عن المشربيات التي كانت تصنع من الخشب أو من الأحجار.
ومن اللافت للنظر أن واجهات المنازل اليمنية التي تزدان بالعقود حول الفتحات كانت تثبت بها أيضاً قرون الوعل، وقد توضع هذه القرون في أركان الدار وربما كان ذلك إشارة إلى أمنيات بالرخاء.
ومما يستحق الذكر هنا أن صنعاء منذ القدم وهي ترتبط ببناء المنازل أو القصور المتعددة الطوابق، إذ يذكر بعض الجغرافيين العرب أن قصر غمدان الشهير إنما هو من بناء سام بن نوح، بينما يشير آخر إلى أن ملوك اليمن قاطبة كانوا ينزلون بصنعاء وكان لملوكها فيها بناء كبير عظيم الذكر وهو قصر غمدان ولكنه هدم وصار كالتل العظيم.
وكان لمدينة صنعاء منذ عصورها القديمة سور يحيط بها وقد أعيد تجديده غير مرة خلال العهود الإسلامية المختلفة التي مر بها اليمن، ومازالت بقايا من سور صنعاء ماثلة للعيان وفيها بعض بقايا أبراج السور الدفاعية، والسور كان مشيداً من كتل كبيرة من قوالب الطوب اللبن فوق كتل من الأحجار غير المشذبة. وكان بسور صنعاء اثنا عشر مدخلاً، هي باب اليمن (الجنوب) والخندق وخزيمة والنزيلي والبلقة والقمع والعبيلة والروم والشهاري والشقاديف وشعوب وأخيراًً باب المستشفى، إضافة إلى أبواب داخلية منها باب القصر وباب السلام وباب شرارة.
ويعتبر باب اليمن كل ما تبقى من أبواب سور صنعاء وهو يشمل في داخله أكثر الأسواق التقليدية في العاصمة اليمنية وأكثرها ازدحاماً على مدار الساعة، وقد اشتهرت صنعاء عبر تاريخها بجودة منتجاتها النسيجية من الأقمشة والبرد التي يضرب بجمالها وجودتها المثل إضافة إلى صناعة السيوف والخناجر المرصعة بالجواهر هي وأغمدتها أيضاً، وصناعة الجلود.
وقد ارتبط تاريخ صنعاء في بداية العصر الإسلامي بظهور أمر الأسود العنسي الكذاب فيها، إذ ادعى النبوة ولكن فيروز الديلمي وداذويه قاما بقتل الأسود والقضاء على الفتنة.
ونظراً لكونها مركز الحكم في اليمن أغلب فترات العصور الوسطى فإن صنعاء تحتشد بالعديد من العمائر الدينية والمدنية التي حرص الأمراء والسلاطين على تزويد المدينة بها.
ومن أقدم هذه العمائر الجامع الكبير الذي تأسس في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين بعث بالصحابي «وبر بن يحنس» الأنصاري والياً على صنعاء في العام السادس للهجرة وأمره ببناء هذا المسجد وقد تجددت عمارته على مر العصور.
ومن أخريات المنشآت المعمارية التاريخية بصنعاء المدرسة البكيرية التي شيدها الوزير العثماني حسن باشا في عام 1005هـ وأنفق على عمارتها أموالاً طائلة وسماها بالبكيرية نسبة إلى بكيربك مولى الوزير حسن الذي وقع من فوق فرسه ومات على الفور، وكان بكير مقرباً من الوزير الذي حزن عليه وجزع لوفاته واختار أن يسمي المدرسة باسمه.
والمدرسة البكيرية لها قبة هائلة تغطي بيت الصلاة فيها على غرار المساجد العثمانية ذات القبة المركزية، ولاتزال عمارة وزخرفة هذه القبة في حالة جيدة من الحفظ لاسيما أنها أفادت من تجديدات أجريت بها في العصر العثماني في عام 1268هـ بأمر من السلطان عبدالحميد الثاني فرشت بعدها بالمفارش الفارسية وأحضر لها منبر من الرخام.
وقد سجل تاريخ هذا التجديد في أبيات من الشعر نقشت على لوحة تأسيسية بأعلى المدخل الغربي ونصها:
ذا الجامع تعميره جامع للفتح والنصر ولذاك النجيب
عبدالحميد الندب سلطاننا سيف رسول الله ذاك الحبيب
لذا أتى تاريخ إتمامه نصر من الله وفتح قريب
ووفقاً لحساب الجمل الذي يعطي لكل حرف من حروف العربية قيمة عددية (نظام أبجد هوز) فإن حروف الشطر الثاني من البيت الأخير يصل مجموعها إلى الرقم 1298 وهو تاريخ هذا التجديد.
وتحفل المدرسة البكيرية بزخارف مذهبة جاءت على طراز الباروك والركوكو الذي كان سائداً في أرجاء الخلافة العثمانية آنذاك.
عن صحيفة الجريدة الالكترونية
[تحرير] سور صنعاء... سحر التاريخ والجمال لصنعاء/ إذاعة هولندا العالمية
قد يتساءل المرء وهو ينظر إلى سور صنعاء، وهو يتثنى محتضناً منازل المدينة القديمة بطرازها المعماري الفريد: هل هناك أجمل من هذا المكان؟ وتكتمل قدرة المشهد على الإدهاش عندما تنظر إليه من زاوية "السايلة" وهي مجرى السيول الأكبر في العاصمة اليمنية الذي يكتسي بكل أناقته عندما يمر تحت السور مرصوفا بالأحجار بطريقة تؤكد براعة اليمنيين المعروفة في فنون العمارة والبناء.وسور صنعاء احتفظ على مدى السنين بهذه القدرة على الإدهاش والإعجاب. فهو فرض وجوده على جميع كتابات المؤرخين ومدونات الرحالة ومشاهدات الزائرين. فليس هناك، تقريبا، من كتب عن مدينة صنعاء دون أن يتطرق إلى هذا السور كواحد من أهم معالم هذه المدينة التي يقال أنها أقدم مدن الأرض، ويُروى أن سام أبن نوح هو الذي بناها. إذا كان