التــراث الأمازيغـــي المغربـــي..........................

زائر

جهاد محمد كتب:: الغالية فارسة ......... أرجو أن تقبلي عذري وتأخري

و لكن الموضوع حلو و يستحق كل الإهتمام منا

و كل الشكر على المجهود الرائع

و تقبلي إخائي ومودتي

الأح جهاد

شكرا على المرور المعطّر
لك مني كل الاحترام

زائر

ورده جوريه كتب:: مشكوره على هذا الموضوع المميز
واتمنى المزيد من التألق دائما مبدعه...

عزيزتي ورده

تحياتي لك على مرورك الكريم
تسلمي بكل الحب

زائر

صفحة "21"

وبهذا يظهر جليـا أن الشعر الطويـل عنذ المرأة الريفية كانت له دلالة خاصة عند الرجل الأمازيغـي، وهذا ما جعل الشاعر يعجب بطولـه، وجعله يريد الوصال بها مهمـا كلفه الأمر حتى و لـو كانت النتيجة سلبـا لحريتـه .
إن الفتـاة المقبلة على الزواج في الريف تـرى في شعرها عنصرا هاما للحصول على الرضى من طرف الآخـر، نسمعها تحترق ألما وحسرة من خلال قول الشاعر في هذا الإيـزري:
"أومـي وغام أشـواف لعزيز مايمـي ثتـرود
لعيـون ذي بارشنـن ذايسـن إغـاثعــذوذ"
وهنا يواسي الشاعر بطريقتـه الخاصة هذه الفتاة المنطوية على نفسها، والتي أصبحت لاتملك إلا العبـرات لتعبر بها عن إحباطها وتشاؤمهـا المفرط بسبب قصر شعرهـا، فلم يملك الشاعر إلا أن يخفف من وطأة هذا الحزن مشيـرا إلى أن الشعر الطويل لا أهميـة له في الوقت الذي تملك فيه عيونا جميلتيـن مفعمتين كافيتـان بأن تصبح زوحة جميلــة .
لكن شاعرة أخرى أرادت أن تزيد الطين بلـة، فنسمعها في البيت الآتـي تعاتب أحدهم قائلـة :
"مايمـي ثوحـذ لخاريـج، مايمـي رخذمث نـش؟
موكــا غاس آشـواف أورا ثمغـــارث نـش
في الإيـزري تهجو الشاعرة أحدهم وتذكره بمـآل وقيمة عمله وأتعابـه في أوربا(المهجر) في الوقت الذي تزوج فيه زوجة تملك شعـرا قصيرا معتبرة أن ريش طائر البـوم أطول منه، علاوة على ذلك فشاعر آخر في البيت الشعـري الموالي استطاع أن يعلـم بزواج فتـاة إلا من خلال شعرها فنسمعـه يقول:
"موشـواف أزيرار غضـاخر ذ نعنـع
سيخنتــا ثمـرش نشين عاذ نضمـع"
يتحدث الشاعر هنا عن فتـاة شبه جدائـل شعرها الطويل بأغصان النعناع المخضرة والعطـرة، بحيث نلاحظ أن الإيـزري يستمد قوته الجماليـة من أشياء الطبيعة،

... / ...

زائر

صفحة "22"

بهذه الخاصية اكتشف الشاعر بأنـه لا أمل له بالإرتباط بها لزواجها المبكر نتيجة طول شعرهــــا.
دائما يزداد اهتمام واكتراث الآخر (أي الرجل) بالشعر باعتباره مستهدفا من طرف الأنثى، لكن هذه المرة جعل من خصلاتـه مجالا للشعوذة وأشار للحبيبة بوصفه في التمائم والأحجبـة للإيقاع بها، كوسيلة ثأر متبادلة بين الطرفين، فنسمع الشاعرة الأمازيغية تقول:
"أياشواف إنـو إيتمكسيـن ذي رجبوب
أرفقيـه -ن- تمزييـدا أزاي ثاويذ دنوب"
إنها تعبر في أسف عن المآل الذي آل إليـه شعرها ليصبـح بعد أن كان رمزا للجمال مادة للعب والسحر.(2)
نستنتج إذا أن الشعر عند المرأة الريفيـة كانت له دلالاتـه الخاصة عند الرجل الأمازيغي وكان عند المرأة نصف جمالهـا الذي يعبر عن أنوثتهـا.
ثانيا : المرأة والوشـم :
" يعتبر الوشـم تقليدا طقوسيا عريقا و موغلا في الثقافة الأمازيغيـة، فالإنسـان
الأمازيغي كان يعيش في عالـم من الرموز والعلامات والقوانين التي كان يقصـد منها
التأكيد على انتمائـه إلى الهوية الأمازيغية، فهو إذن أسلوب ذو مضمون ثقافــي أو
اجتماعي له علاقة وثيقة بالتفكير الأسطوري أو الفلكلوري كما يمكن أن يكون ذا مضمون جنسي خاصة عند المرأة الأمازيغية التي تتزين بالوشـم في غياب المساحيق الملونـة قصد التمييز على الرجـل.."(3)
وقد ظل الوشـم برموزه وأشكاله وخطوطه من بين أهـم مسائل الزينـة وتجلياتها القارة والدائمـة على أجزاء معينـة من جسد المرأة خاصة الوجه واليدين والرجليـن".(4)
والمرأة الريفية على الخصوص كانت تستخدم الوشم في أسفـل الوجه أو تحت الشفـة السفلى، وأحيانا على ظهر اليد والأصابع، أما الرجل فكان يكتفـي بوشم صورة لطائرما يعتقـد أنه الهدهدعلى الصدغ لحماية الرأس من الآلام والصداع، واقتصر

... / ...

زائر

صفحة "23"

الوشـم عند البعض من القبائل الريفيـة عادة على نقطة واحدة بسيطة فوق الذقـن، وأخرى على الجانب الأيمن من الأنف للحماية من آلام الأسنـان، وأخرى في بداية الجفن للحماية من أمراض العين، ويؤكد(5) (ليث الخفاف):"بأن البربر استمدوا العناصر الزخرفيـة للمصنوعات الفخارية والجلدية والفضية من الوشم نفسـه، ولاتزال قبائل البربر تستخدم بعض الكتابـات والرموز الزخرفية في تزيين بيوتهـا القديمة، ولهذا نـرى أن المرأة البربرية لاتزال تحمـل في بعض المناطق الظاهرة من جسدها وشما يمثل أحد حروف تيفينــــاغ.
وظاهرة الوشم انتشرت في شمال إفريقيا إبان الديانة المسيحيـة، أي قبل دخول الإسلام نظرا للتأثير المباشـر الذي كانت تمارسه الإمبراطوريـة الرومانية آنذاك."(6)
ويكتسي الوشـم في ظاهره وباطنه دلالات عديدة وعميقـة، فهو يأخذ من جسم الإنسان فضـاء للتدوين والكتابة ولوحة للرسم والخـط (7)، تقول الشاعرة في هذا الإيـزري :
"أسيـذي عزيزي إينـو، رجـاي أذكنفيـغ
ثيريـت إنـو ثهريـش، ثيكاز إذين أوريـغ"
إن الشاعرة هنـا مقبلـة على الزواج، ترجو وتلتمس من أسرة عمهـا حيث يوجد العريس أن ينتظـروا ويتريثـوا قليلا حتى تبـرأ من الجراح التي خلفهـا وخز الوشـم في عنقها، وهنا يأخذ البيت الشعري بعـدا يبرز فيه الجسد فضاء للكتابة والإبداع وجعله لوحة تنطق بالجمـال والحسن الذي تزينه الرموز الملونـة والمختلفة الأشكال والدلالات على جسـد مقبل على الزواج.
ومن المعروف في منطقة الريف خاصة والمغرب عامـة أن الوشم من أدوات الزينـة الضرورية لأية فتاة ناضجة، وهكذا نجد أن (جورج كرانفال) يقول: "الوشم في هذه البلاد عند النسـاء إعلان عن مرحلة النضج والإستعداد لاستقبـال الرجل والإناطة بوظيفة الزواج."( Cool

بحيث يصبح الوشم بالنسبة للمرأة الأمازيغية .. بوابة عبـور لسـن الرشد ومعه بـوادر الزواج وهو في هذه الحالة يكتسي بعـدا

... / ...

زائر

صفحة "24"

تودّ من خلاله المرأة الشابة إبراز مفاتنهـا،وإعلان أنوثتها، فيصبح الوشـم خطابا يستهدف الآخر، يقول الشاعر في هذا الإيـزري:
"(مامـا) آثـن يكين ثيكـاز سادو وابـر
ثكيثـنـت إيوحبيـب آرياز أتيقـــار"
ويبدو أن هذه الفتاة (مامـا) وشمت مكـان جد جذاب من وجهها، وهو موضع تحت الأهـداب لتضفي على عينيها مسحـة من الجمال لجذب الطرف الآخر الذي هو الرجـــل.
إلى جانب ما يكتسيـه الوشم من دلالات جمالية تعتمد النظر والبصر، يأخذ الوشـم أبعادا أخرى، وقد اختلف في تحديد أبعـاد ذلك، فهناك من يعطي للمسألة بعـدا نفسيا تحديـدا لدى المرأة، حيث يفسر ذلك بالرغبة في إطفاء الغريزة المتوقدة فيهـا، فيتم تعذيب الجسد عن طريق الوخز وما يرافـق ذلك من ألم روحي ونفسي قد يترتب عنه النفـور والإستكشاف من نداء الغريزة …
هذا وإلى جانب الدلالات الجمالية التي تحدث عنها الرسام الدانماركي (هاين فيرنكل) قائلا: "أحيانا كثيرة يرددن صيحات غنائية لايضاهيه من الحدة والجمال سوى مرآى تلك الأشكال المرسومة بعنايـة فائقة على خدودهـن أو ذقونهن أو جباههـن وأحيانا أعناقهن وأيديهن، نساء تتوحد فيهن أسطورية الرموز والرسومات المفعمة خضرة وزرقـة مع أسطورية الوجوه ومكامن جمال يصـر على تحدي قساوة الطبيعة وصعوبة ظروف العيش ومشاق التحملات اليومية… جمال تتوحد فيه الحقيقة بالخيال… الطبيعـة بالإنسان … والألوان بالملامح… الصور بالأصوات… الغناء بالرسم على الجسـد…(9)
اضافة إلى العنصر التزييني يشكل الوشم جسرا للربط بين ما هو روحي ومادي في الجسد ذاته، فالوشم في الريف بشكل أفقي مقسما الجسم إلى جزءين شق روحي يضم القلب وآخر مادي يمثل الحياة فيتم الربط بينهما بواسطة رموز وأشكال اعتادت النساء الأمازيغيات توظيفه في إبراز المكونات الجمالية الإبداعية والفنية في الوسائل والأشياء المستعملة لديهن في حياتهن اليومية العادية من زرابـي وأوانـي خزفية وخشبيـــة

... / ...

زائر

صفحة "25"

وطلاء الجدران والنقش على الفضة والخشب … مستفيدين من إرثهم الحضاري العريق المتمثل في حروف تيفيناغ ذات الأشكال المتعددة والملامح الجمالية الأخاذة .
"والوشم في منطقة الريف كان يتم بممارسة اللون الأخضر للتعبير عن السلام والسعادة والأمن، وتقوم بعض القبائل بوشم جباهها وخدودها، وقد كانت تنقش النساء خطا على جبين كل مولود (بوتقمومت).
ومن هنا يبقى الوشم في الغالب علامة من علامـات التعبير عن الذات، وكثيرا ما يأتي استجابة لطلب الرجل الذي يرى فيه إقرارا بامتلاكـه التام لزوجته، فجسم المرأة ليس ملكا لها، بل لزوجها، فله الحق في وضع خاتم ملكيتـه عليه، كما هو الشأن في النقطة الحمراء التي يضعها نساء الهنود على جباههـن."(10)____________________________________________
(1)اشكالية التراث الشعبي بين الجمود والإمتداد، لحين قناني، الميثاق الوطني عدد:6840 بتاريخ:1998 (أكراو أمازيغ -المرأة والشعر في الشعر الأمازيغي بالريف- العدد:86 ص:3 )
(2)نفس المصدر السابق.
(3)سؤال الأمازيغية: البناء،النظرية،بلقاسم الجطاري ص:69
(4)أكراو أمازيغ -المرأة وظاهرة الوشم بالريف - العدد:87 ص:3
(5)ليث الخفاف "الوشم و وحدة الفلكلور العربي:مجلة التراث الشعبي -العدد:10 لسنة 11 -1980-ص:182
(6)سؤال الأمازيغية: البناء،النظرية -ص:69
(7)تمازيغت:الوشم الأمازيغي أبعاد ودلالات "بوشتى ذكي" العدد:23 (أكراو أمازيغ:المرأة وظاهرة الوشم بالريف العدد:87 ص:3).
( Cool

بيان اليوم "الوشم بين الرموز والأشكال بالمغرب (محمد جنوبي) عدد الأربعاء 23دجنبر 1998.
(9)بيان اليوم نفسـه
(10)سؤال الأمازيغية:البناء،النظرية -بلقاسم الجطاري ص:72-73.

... / ...

زائر

× المحـور الثالـث : الشعـر الأمازيغـي :

أولا : الشعر والمقاومة :

يعتبـر الشعر الأمازيغي في الريف، المتوارث شفاهيا عن الأجيال السابقة إحدى كنوز تاريخ الريف، إذ ينفرد بميزات خاصة..
"ففضلا عن شفاهيته، وعدم تدوينه، لانعرف قائليـه أو ناظميه، إذ لم يكن هناك شاعر بمعنى الشاعر المعروف في المجتمعات الأخرى، فقد تكون القصيدة الشعرية من إنتاج جماعي، كالنساء…أو تكون من إنتاج فردي، كالمجاهد أو الفنان الموسيقي (أمذياز)، المهم أن الشعر في الريف إنتاج شعبـي .
فرغم شفاهيتـه تلك، فإنه استطاع أن يستمر موجودا، متوارثا عبر السنين، وذلك لارتباطه بالغناء مما يسهل حفظـه واستظهاره، كما أن شفاهيته جعلته كذلك ينجو من الحملات التي شنتها إسبانيا كقوة استعمارية على الوثائق المكتوبة التي كانت في ملك المجاهدين خاصة مسيري المقاومة بجانب محمد عبد الكريم الخطابي.
لقد ظل هذا الشعر غير مكتوب إلى اليوم، مما جعله مهددا بالضياع، لذا فكتابته ضرورة -علمية معرفية- خصوصا وأنه يحمل قيمة تاريخية، تتمثل في كونه سجل الأحداث الماضية التي مر بها الريف، كالغزو الإستعماري والمقاومات التي عرقلته سواء التي ترأسها المجاهد (الشريف محمد أمزيان)(1909-1912م) أو التي تزعمها محمد بن عبد الكريم الخطابي (1921-1926م).(1)
وقد تطرق الشعر في مراحله للحرب الأهلية الإسبانية حين "حاولت الحركة الدكتاتورية للجنرال فرانكو آنذاك بمساعدة قواد القبائل وبعض كبار الشخصيات السياسية والدينية بمنطقة الريف خاصة، أولئك الذين أبـدوا موقفا مؤيدا لحركة فرانكو وذللوا له كل العقبات بفتح باب التجنيد والدعاية المشجعة للإنخراط في صفوف الحركة المتمردة على النظام الجمهوري"(2)، وقد اعتمد النظام الفرنكوي على أبناء الريف واستخدامهم، بمساعدة أذيال نظامه في حرب ليس لهم فيها ناقة و لاجمل كما يقال.
وعن هذا "عبر الشعر الأمازيغي عن سرعة التسجيل في الجندية إلى حد أن المجند لم يتفطن متى تم تسجيلـه، ولم يدرك متى ودع أمه، ولا متى غادر دياره وعبر البحر إلـى

... / ...

زائر

صفحة "27"

الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط ليجد نفسه في جبهة القتـال:
" رب مـرم نـورا رب مـرم نـزوا
رب مـرم ننـا الليهنيـك أيمـــا"(3)
"فها هو الشعر يصف هؤلاء بالأطفال، وهم يتأهبون للتوجه إلى الإنخراط في الجندية ويعلمون مسبقا مصيرهم المحتـوم:
"أموننـد إحنجيـن ساسنـد السينيـث
نشيـن أقانيــور غاسبانيـا أنمــث"
ويتكرر المشهد نفسه في رؤية الجندي حين ينظر إلى السفن التي تنتظره بميناء مدينة مليلية كأنما يرى فيها شبح مصيره المحتوم،إذ يرى الموت المحقق وهو لم يعبر البحر بعـد:
"أغـربـو أرومي ذي مريتـش إترجيـي
للا ثمـورث إينـو عمـاص ثزريــذيي"
"وقد واكب الشعر الأمازيغي لتراجيديا الحرب الأهلية منذ البداية إلى نهايتها وصفا وتحليلا ومآلا، فمنذ اندلاع الحرب حصدت الآلاف من المغاربة،وحتى من نجـا منهم لم تنـج أعضاؤه ليصبح مقعدا أو معطوبا من الأرجل أو الأيدي، فهذا جندي يرسل رسالة إلى أمـه مستفسرا عن حالها، وفي نفس الوقت يخبرها أنه على قيد الحياة بعد أن فقـد رجله ويده :
"أروح سيـوذاس اسرام إيمــا ما ثــدار
إينـاس يكسـاس أفوس إيناس يكساس أضار"
ويتحدث الشاعر على لسان الجندي الموجود في أرض المعركة، واصفا مأساته وضراوة الحرب التي لاتتوقف حتى في أيام الأعياد، وبخاصة في عيد الأضحى الذي ألـف فيه الفرح وسط عائلتـه :
"أيا لـلا يمـا مـانـا رهنـا نهنــا
أقـا رعيـد أمقران نسعذوث ذي فيـلا "

... / ...

زائر

صفحة "28"

"ونعود لنتحدث عن شعر المقاومة في الريف، ففضلا عن كونه فن المقاومة، فإنه وثيقة لها، والذي قال عنه (غالي شكري) بصفة عامة :".. إنه فن المقاومة.. وأكثر الأنواع الأدبية قدرة على امتصاص رحيق الكارثة…"(4)، والنوع الأدبي الوحيد الذي استطاع أن يعبـر عن البطولات الجهادية في شكل ملاحم كملحمة (ادهار أبران) التي استمرت متوارثة من جيل لآخـر -رغم عدم تدوينها - من قبل الموسيقيين (إمذيازن) خصوصا وأن حرفة هؤلاء ظلت متوارثة أبا عن جد، إذ فمن البديهي أن يرثوا هذا الشعر كتراث ظل مرتبطا بالأغنية، وارتباطه بالغناء جعل الشعب يحفظه ويردده ويظل عالقا ومحفورا في ذاكرتـــه .
"و(ادهار أبران) قصيدة شعرية شفاهية في أصلها، نظمت باللغة الأمازيغية الريفية تصف المعارك التي دارت بقبيلة تمسمان سنة:1921 عند انطلاقة المقاومة الريفية بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي، ويعود إنتاجها إما إلى مرحلة المقاومة أو بعدها بقليل (أي بعد الإنتصـار).
أما صاحب النص فهو مجهول، قد يكون من إنتاج فرد، وقد يكون من إنتاج جماعة وكل ما يمكن ملاحظته والإدلاء به هو أنه من إنتاج تمسماني، وهذه بعض الأبيات من القصيدة:
"أيادهـار أبران أيا سوس أيا خسان
ويزايـك إيغارن إيغار زايس زمـان
ماني يدوقز رباروذ ماني سغوين ييكسان
ماني يقيم رعسكار إيسذ أمسرمــان
أثيشوشاي نس أم رفرفر يــــاوان"(5)
إلى غير ذلك من الأبيات،"من أجل ذلك نستشف أن المقاومة الريفية خالدة عند الريفيين و لاتنمحـي من ذاكرتهم، ونجد النساء وخاصة العجائز إلى حد قريب كن يرددن الأناشيد والأغاني المشيدة بحرب الريف خاصة عند قيامهن بأعمالهن الجماعية كالإحتطاب والطحن اليدوي أو في طريقهن إلى أو من العين …
... / ...

زائر

صفحة "29"

وقد نالت المقاومة عند عدة شعراء ناظمين باللغة العربية أمثال الأستاذ (الحسين القمري) كالقصيدة المعنونة "بملحمة أنوال"(6) والشاعر(عبد الواحد أخريف)(الذي نشر قصيدة مشيدة بالمقاومة الريفية بعنوان "ذكرى أنوال"(7) وغيرهم من الشعراء.
_____________________________________________
(1)أمل -قضايا في حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي- قراءة تاريخية لملحمة ادهار أبران،ص:23 ذ.أحمد لحميمـي.
(2)أنجز الباحث بوبكر بوهادي رسالة دبلوم الدراسات العليا في الموضوع بعنوان(المغرب والحرب الأهلية الإسبانية)ونوقشت بتاريخ:13شتنبر1989م بكلية الآداب بالرباط،توجد مرقونة بنفس الكلية.(سؤال الأمازيغية: البناء، النظرية -الحرب الأهلية الإسبانية- ص:44.
(3)المصدر السابق وكذلك ما نقله الأستاذ محمد بن عزوز حكيم عن مخطوط مكي بن محمد ريضونضو،وهو ابن أحد ضحايا الحرب الأهلية الإسبانية :كتاب Marruecos 1936 La actitud de los moros aute el Alzamiento الفصل الثاني منه خاصة.
(4)نفس المصدر السابق (قصيدة ادهار أبران)أحمد لحميمي ص:24
(5)نفس المصدر (قصيدة ادهار أبران)ص"24
(6)ملحق البيان الثقافي:العدد:10 بتاريخ:18 -19/7/1982 ص:6
(7)جريدة العلم عدد:22 يوليوز 1977-ص:9.. (نفس المصدر السابق)

... / ...

زائر

صفحة "30"

ثانيا : الفن الأمازيغي بالريـف :

تتميز كل أمـة من الأمم بثقافتها التي تؤكد تميز طوابعها، الشيء الذي يمنحها صفة العالميـة، ومن ثم الخلود، وهذه المرتبة -ولاسيما- في مجال الفن تظل مرهونة بما يملك هذا الفـن من جوانب انسانية قادرة على مخاطبة جوهر الإنسـان.
والمغرب يملك إرثا غنيا في مجال الثقافة الشعبية، ويمكن القول أن كل منطقة أو جهة منه تتميز بطوابعهـا في هذا المجال(1)، ونذكر من بينها (إيمذيازن) في منطقة الريـف.
"ان إمذيازن ومفردها أمذياز هم جماعة من العازفين الذين كانـوا يجوبون القرى والمداشـر والأحياء باحثين عن مناسبات الفرح كالزفاف والختان والعقيقـة،أو ما إلى ذلك مما يشكـل مناسبة مفرحة، فيقدمون رقصاتهم وأغانيهـم أمام أصحاب الحفل، مقابل إكرامهـم بالمال والسكر أو ما يقوم مقامهمـا، وهم يوجدون بشكل خاص في شمال شرق المغرب وفي الغرب الجزائـري، وهم مجموعات عدة بسبب توارث هذه الحرفـة أبـا عن جـد.
وسمي أمذياز بهذا الإسـم نظرا إلى الوظائف التي كان يقوم بها في القديم،ذلك بأنه كان بمثابـة شيخ القبيلة، وهذا ما يبـرر تسميتـه بـ (الشيخ)، فالشيخ مرتبة اجتماعية تفيـد أن صاحبها يملك قدرا مهما من التجربة في الحياة، والرزانة، والعلم،و الأخلاق، مما يؤهلـه لأن يحظى باحترام المواطنين، و(أمذياز) شيخ كان يقـوم بما يشبه ما كان يقوم به شيخ القبيلـة في العصر الجاهلي، فقد كان يملك من التجربة والعلـم ما يؤهله للفصل في النزاعات والصلـح بين الناس، ومداواة بعض أمراضهم، وتقديم الرقيـات وما إلـى ذلك ..
ومع تطـور الأجيال، لم يعد إمذيازن يقومون بتلك الوظائف، واقتصروا على الرقص والغنـاء، ومدح من يكرمهـم من المعجبين بهم، خصوصا بعدما بـارت حرفتهم بسبب تطور مجال الغنـاء، وتغير الأذواق نتيجة التقدم التكنولوجي، وما كان له من تأثيـر على مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك العادات والأذواق، ومنها عادة استقـدام

... / ...

زائر

صفحة "31"

إمذيـازن أو الشيوخ في الحفلات الخاصـة .
فإمذيازن كما ذكرنا جماعة من الموسيقيين، وتتكون من ثلاثـة أو أربعة أفراد، كل فرد يسمى شيخا، الأول يعزف على آلة (الزامـر)، وهي عبارة عن مزمـار قصبي يتكون من قصبتين متوازيتين توضع في رأسهما زمارتان قصبيتان صغيرتان، وفي أسفلهمـا قرنـا بقرة يساعدان على تضخيم صوت الآلة، أما القصبتان المتوازيتان فتساعدان على تحديد الإيقـاع انطلاقا من سـت ثقب في كل واحدة منهما فضلا عن ثقب واحد في كل واحـدة أيضا في الجهة السفلى، وعلى العازف أن يضع أصابعه على تلك الثقـب ليحدد الإيقاع المراد تقديمـه، بعد النفخ في الزمارتين القصبيتين الصغيرتين المتوازيتين كذلـك، ويقوم الفرد الثاني والثالث، بوظيفة النقر على آلة البنديـر، وهو عبارة عن دف دائري الشكل، مصنوع من خشب يلصق عليه جلد سميـك، يتوسطه خيطان مطاطيان قويان يساعدان على تحقيق فخامة الصوت، ويمكن أن يقوم بهذه الوظيفـة فرد واحد، إذا كانت المجموعة متكونة من ثلاثة أفراد فقـط.
أما الفرد الرابع فيقوم بوظيفة (البـراح)، وهو الشخص الذي يجمع التبرعات من المتفرجيـن ويعلن ذلك أمام الملأ، فيبدأ مدح المتبرع بعد أن يطلب من العازفين التوقف عن العـزف حتى يسمع مدحه للجميـع.
وعموما فعدد أفراد مجموعة إيمذيازن ليس محددا بشكل ثابت، فهو يتغير حسب ظروف المجموعة، لكن الأساسي أن يكون فيها فردان على الأقل: عازف على الزامر وناقر على آلـة البندير،شريطة أن يقوم أحدهما بوظيفة البـراح، ولكن لاينبغي أن يقل العدد عن الإثنين، ويمكن أن يكون العدد أكبر، آنذاك يمكن أن يضطلع أكثر من فرد بمهمة واحدة، باستثناء البراح الذي يكون واحدا فقـط.
وينشد أمذياز وفق التقاليد الشفوية أبيات لاتشكل قصائد تجمعها وحدة الموضوع أو وحدة عضوية، وإنما هي أبيات مستقلة عن بعضها البعض، ويعبر من تلقائية نفسه دون الإقتباس من الكتب أو غيرهـا .
ويتميز إيمذيازن بملابسهم التقليدية، وأهمها الجلباب الأبيض الذي كان يلبس فوق أقمصة

.../...

زائر

صفحة "32"

بيضاء، وتحته يرتدي سروالا ضيقا في الأسفل، يطلق عليه سروال (عربي)أو سروال (قندريسي)، أما الحذاء فيكون من نوع حذاء الكولف التقليدي، وفي حالة انعدام هذا الشكل من الأحذية، يرتدي إيمذيازن أحذية عادية، ويضع كل أمذياز عمامة على رأسه تسمى الرزة، وهي عصابة تحبـك دوائرها الكثيرة بشكل جيد فوق الرأس، وغالبا يعلق على كتفيه محفظة صغيرة ملونة تسمى (الزعبولة)، وهي محفظة إلى جانب دورها التزييني تؤدي دورا وظيفيا حركيا أثناء الرقص خصوصا حين تقع فوق جانب الخصر."(2)
وأمذياز كان له دور وازن في المجتمع الأمازيغي على جميع النواحي، وتميز بدوره الفعال ومشاركتـه أثناء فترة المقاومة حيث"كان هو الثائر والمثقف والجرأة، لأنه كان يملك أذكى الوسائل للهجو ورعب العدو، وكان بجمال صوته ورقـة كلمتـه يحصر الزمان والمكان لفائدة قومـه.(3)
ومادام أن حرفة إيمذيازن ظلت متوارثة أبا عن جد، ونظرا للدور الذي كان يحظى به في أوسـاط القبيلة،"وفي قبائل الريف خاصة قبيلة تمسمان نجد الفنانين (إيمذيازن) كانوا يحتفظون بالقصائد الشعرية للمقاومة ويغنونها في قالب موسيقي يخشع له كل متحمس، كما كان السكان يحبذون الإستماع إلى تلك القصائد المغناة من قبل هؤلاء الفنانين خصوصا في الأعراس، إذ كان لايمـر عرس يحييه هؤلاء الفنانون دون أن يتغنوا بهاتـه القصائد الملحميـة.

_____________________________________________
(1)حفريات مغربية -الرقصات الشعبية في الجهة الشرقية من المغرب- ص:117،مصطفى رمضاني
(2)حفريات مغربية-العدد الأول دجنبر 2001 (الرقصات الشعبية في الجهة الشرقية ص:129-مصطفى رمضاني
(3)جريدة تامازيغت -الفن الأمازيغي بالريف- (تتمة العدد44)محمد اسويق،العدد:45 السنة الأولى11نونبر1999.
(4)أمل(قضايا في حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي) قراءة تاريخية لملحة ادهار أبران ص:29 أحمد لحميمي.

تــــمّ

تحياتـــــي للجميع
كما أرجو الاستفادة من هذا الموضوع
باعتبار أن الأمازيغ هم سكان شمال إفريقيا الأوّلون